الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.وفاة قطب الدين صاحب الموصل وملك ابنه سيف الدين غازي. ثم توفي قطب الدين مودود بن الأتابك زنكي صاحب الموصل في ذي الحجة سنة خمس وستين لإحدى وعشرين سنة ونصف من ملكه وعهد لابنه الأكبر عماد الدين بالملك وكان القائم بدولته فخر الدين عبد المسيح وكان شديد الطواعية لنور الدين محمود ويعلم ميله عن عماد الدين زنكي بن مودود فعدل عنه إلى أخيه سيف الدين غازي بن مودود بموافقة أمه خاتون بنت حسام الدين تمرتاش بن أبي الغازي ولحق عماد الدين بعمه نور الدين منتصرا به وقام فخر الدين عبد المسيح بتدبير الدولة بالموصل واستبد بها والله تعالى أعلم..استيلاء نور الدين على الموصل وإقراره ابن أخيه سيف الدين عليها. ولما ولي سيف الدين غازي بالموصل بعد أبيه قطب الدين واستبد عليه فخر الدين عبد المسيح كما تقدم وبلغ الخبر إلى نور الدين باستبداده أنف من ذلك وسار في خف من العسكر وعبر الفرات عند جعبر أول سنة ست وستين وقصد الرقة فملكها ثم الخابور فملك جميعه ثم نصيبين وكلها من أعمال الموصل وجاءه هناك نور الدين محمد بن قرا أرسلان بن داود بن سقمان صاحب كيفا مددا ثم سار إلى سنجار فحاصرها وملكها وسلمها لعماد الدين ابن أخيه قطب الدين ثم جاءته كتب الأمراء بالموصل فاستحثوه فأغذ السير إلى مدينة كلك ثم عبر الدجلة ونزل شرقي الموصل على حصن نينوى ودجلة بينه وبين الموصل وسقطت ذلك اليوم ثلمة كبيرة من سور الموصل وكان سيف الدين غازي قد بعث أخاه عز الدين مسعود إلى الأتابك شمس الدين صاحب همذان وبلاد الجبل وأذربيجان وأصبهان والري يستنجده على عمه نور الدين فأرسل أيلدكز إلى نور الدين ينهاه عن الموصل فاساء جوابه وتوعده وأقام يحاصر الموصل ثم اجتمع أمراؤها على طلعة نور الدين ولما استحث فخر الدين عبد المسيح استأمن إلى نور الدين على أن يبقى سيف الدين ابن أخيه على ملكها فأجابه على أن يخرج هو عنه ويكون معه بالشام وتم ذلك بينهما وملك نور الدين منتصف جمادي الأولى من سنة ست وستين ودخل المدينة واستناب بالقلعة خصيا اسمه كمستكين ولقبه سعد الدين فأقر سيف الدين ابن أخيه على ملكه وخلع عليه وردت عليه من الخليفة المستضيء وهو يحاصرها وأمر ببناء جامع بالموصل فبني وشهر باسمه وأمر سيف الدين أن يشاور كمستكين في جميع أموره وأقطع مدينة سنجار لعماد الدين ابن أخيه قطب الدين وعاد إلى الشام والله تعالى أعلم..الوحشة بين نور الدين وصلاح الدين. ثم سار صلاح الدين في صفر سنة تسع وستين من مصر إلى بلاد الإفرنج غازيا ونازل حصن الشويك من أعمال واستأمن إليه أهله على أن يمهلهم عشرة أيام فأجابهم وسمع نور الدين بذلك فسار من دمشق غازيا أيضا بلاد الإفرنج من جانب آخر وتنصح لصلاح الدين أصحابه بأنك إن ظاهرته على الإفرنج اضمحل أمرهم فاستطال عليك نور الدين ولا تقدر على الإمتناع منه فترك الشويك وكر راجعا إلى مصر وكتب لنور الدين يعتذر له بأنه بلغه عن بعض سفلة العلويين بمصر أنهم معتزمون على الوثوب فلم يقبل نور الدين عذره في ذلك واعتزم على عزله عن مصر فاستشار صلاح الدين أباه وخاله شهاب الدين الحارمي وقرابتهم فأشار عليه تقي الدين عمر بن أخيه بالإمتناع والعصيان ففكر عليه نجم الدين ابوه وقال له ليس منا من يقوم بعصيان نور الدين لو حضر أو بعث وأشار عليه بأن يكاتبه بالطاعة وأنه إن عزم على أخذ البلاد منك فسلمها ويصل بنفسه وافترق المجلس فخلا به أبوه وقال مالك توجد بهذا الكلام السبيل للأمراء في استطالتهم عليك ولو فعلتم ما فعلتم كنت أول الممتنعين عليه ولكن ملاطفته أولى وكتب صلاح الدين إلى نور الدين بما أشار به أبوه من الملاطفة فتركهم نور الدين وأعرض عن قصدهم ثم توفي واشتغل صلاح الدين بملك البلاد ثم جمع نور الدين العساكر وسار لغزو الإفرنج بسبب ما أخذوه لأهل البلاد من مراكب التجار ونكثوا فيها العهد مغالطين بأنها تكسرت فلم يقبل مغالطتهم وسار إليهم وبث السرايا في بلادهم نحو إنطاكية وطرابلس وحاصر هو حصن عرقة وخرب ربضه وأرسل عسكرا إلى حصن صافيتا وعريمة ففتحهما عنوة وخربهما ثم سار من عرقة إلى طرابلس واكتسح كل ما مر عليه حتى رجع الإفرنج إلى الإنصاف من أنفسهم وردوا ما أخذوا من المكرمين الأعزين وسألوا تجديد الهدنة فأجابهم بعد أن خربت بلادهم وقتلت رجالهم وغنمت أموالهم ثم اتخذ نور الدين في هذه السنة الحمام بالشام تطير إلى أوعارها من لإتساع بلاده ووصول الأخبار بسرعة فبادر إلى القيام بواجبه وأجرى الجرايات على المرتبين لحفظها لتصل الكتب في أجنحتها ثم أغار الإفرنج على حوران من أعمال دمشق وكان نور الدين بمنزل الكسوة فرحل إليهم ورحلوا أمامه إلى السواد وتبعهم المسلمون ونالوا منهم ونزل نور الدين على عشيرا وبعث منها سرية إلى أعمال طبرية فاكتسحها وسار الإفرنج لمدافعتهم فرجعوا عنها وأتبعهم الإفرنج فعبروا النهر وطمعوا في استنقاذ غنائمهم فقاتلهم المسلمون دونها أشد قتال إلى أن استنقذت وتحاجزوا ورجع الإفرنج خائبين والله تعالى ينصر المسلمين على الكافرين بمنه وكرمه.
|